الأربعاء، 9 مارس 2016

الحجامه بين الاسلام و الطب


http://www1.mans.edu.eg/facphar/arabic/Newsletters/images/

عرفت المجتمعات البشرية القديمة كالأغريقية والرومانية والصينية الحجامة كإحدى الطرق العلاجية لبعض الأمراض ثم نقلها عنهم عرب الجاهلية إلى بلادهم واستمر استخدامها في صدر الإسلام ثم أفاض الأطباء العرب الأوائل في ذكر فوائدها في مؤلفاتهم واستمرت الأجيال البشرية في مختلف أجزاء العالم تتناقل تعاليمها جيلاً بعد جيل إلى يومنا الحاضر ,وأصبحت الحجامة إحدى الطرق العلاجية في الطب الشعبي المعروف في المنطقة الممتدة من الصين شرقاً إلى إفريقيا غرباً , ويستعملها بعض الناس بين حين وآخر بعد يأسهم من الأطباء وماوصفوه من دواء أو تيمناً بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.

في اللغة
     يقول لسان العرب أصل الحجم :المص,وسمي به فعل الحاجم لما فيه مص للدم في موضع الشرط , والحجام :المصاص , قال الأزهري : يقال للحاجم :حجام لإمتصاصه فم المحجمة , والمحجم والمحجمة : مايحجم به و الحجامه التي ذكرتها اللغة هي ما يسمى الحجامة الرطبة أو الدامية  Wet cuppingأي وضع المحجم بعد شرط الجلد.

الحجامة الجافة والرطبة
عرف الإنسان نوعين رئيسين من الحجامة هما:
الأول: الحجامة الجافةDry cupping  ويستعمل فيها الحجام ما يعرف بكؤوس الهواء  Glass cuppingيضعها على موضع الألم في جسم المريض دون شرط جلده.
ثانياً: الحجامة الرطبة أو الدامية  Wet cuppingويستخدم فيها المحجم بأشكاله المختلفة بعد عمل شرط في مواضع معينة من جلد المريض للمساعدة على استمرار تدفق الدم فيها.

مواضعها في الجسم
     اختلفت مواضع الحجامة التي اختارها الأطباء القدماء في علاج الأمراض ,فشملت معظم أجزاء الجسم كالرأس والظهر والصدر والقدم والمقعدة , وورد في السنة النبوية استخدام الرسول صلى الله عليه وسلم الحجامة في الرأس وظهر القدم والأخدعين (وهما عرقان على جانبي العنق) والكاهل ومقدمة أعلى الظهر ,ويفضل الحجامون الآن حجامة المرضى في الأخدعين والكاهل.

طرق إجراؤها
    استعمل في عملية الحجامة الجافة كؤوس الهواء فيحرق الحجام قطعة صغيرة من القطن مبلولة بالغول أو ورقة ملفوفة, ثم يدخلها كأس الحجامة قبل وضعها بسرعة على موضع الألم في جسم المريض ,ثم ويستعمل كأس حجامة أخرى بنفس الطريقة ,ويترك كؤوس الحجامة عدة دقائق قبل نزعها من الجلد, ويؤدي استعمالها إلى حدوث احمرار في الجلد وتنشيط الدورة الدموية فيها ,وهذا يفيد في تخفيف حدة الألم .
وفي الحجامة الرطبة يحدث الحجام عدة جروح دقيقة بالمشرط أو بشفرة الحلاقة في الموضع الذي يختاره من جسم المريض ,ثم يستعمل كأس الحجامة بأحد أشكالها,ويحدث بواسطتها تفريغاً هوائياً ,ويترك كؤوس الحجامة على الجسم عدة دقائق قبل إزالتها وفي داخلها الدم ,ويكون لون الدم في كأس الحجامة بعد نزعه من الجلد مائلاً للسواد لأنه أصلاً دم وريدي تعرض للهواء , وهو ليس دماً فاسداً كما يعتقد بذلك بعض عامة الناس ويروج له الحجامون للترغيب بعملهم, لأن الدم الملوث خرج عادة من مواضع الإنتانات الجرثومية في الجسم مختلطاً بكريات الدم الميتة بنوعيها والخلايا الجرثومية وغيرها.

رأي الإسلام
      استعمل العرب في الجاهلية الحجامة في علاج بعض أمراضهم ,ونقلوا تعاليمها عن الرومان والإغريق والصينيين القدماء وغيرهم , واستمروا في استخدامها خلال البعثة المحمدية , ونصح الرسول صلى الله عليه وسلم بالحجامة عند الحاجة إليها واستعملها في علاج بعض الأمراض التي أصيب بها ,ودليله ما جاء في صحيح البخاري قوله:" إن أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط",والقسط هو العود الهندي, وفي رواية: ما كان أحد يشتكي إلى رسول الله عليه وسلم وجعاً في رأسه إلا قال له:احتجم ",  وروى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال الرسول صلوات الله وتسليمه عليه: " الشفاء في ثلاثة شربة عسل وشرطة محجم وكية نار وأنهي أمتي عن الكي " , وجاء في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما :أن رسول الله عليه وسلم احتجم في رأسه من شقيقة كانت به "والشقيقة migraine( الصداع النصفي ) وفي رواية" احتجم الرسول صلى الله عليه وسلم في رأسه من وجع كان به ", وروى أبو داود وأخرجه الترمزي وحسنه ابن ماجه :"احتجم الرسول صلى الله وعليه وسلم في الأخدعين والكاهل ", وروى أبو داود عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما :"أن رسول الله صلى الله عليه احتجم على وركه من وثاء كان به", والوثاء:الوهن دون الكسر والفك , وروى أبو داود عن أبي هريرة :أن أبا هند حجم النبي صلى الله عليه وسلم في اليافوخ ,وقال أنس رضي الله عنه "احتجم النبي صلى الله عليه وسلم يمين ظهر قدمه "رواه الترمزي والنسائي, وجاء في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه :" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حجمه أبو طيبة ,فأمر له بصاعين من طعام وكلم مواليه فخفضوا عنه ضريبته , وقال : خير ما تداويتم به الحجامة".

أوقات استحباب الحجامة
      شاع بين القدماء استحباب إجراء الحجامة في أوقات معينة من الشهر,ودليل ذلك ما قاله صاحب القانون -ابن سينا :لا يؤمر باستعمال الحجامة في أول الشهر لأن الأخلاط لا تكون قد تحركت وهاجت ولا في آخره لأنها تكون قد نقصت بل في وسط الشهر حيث تكون الأخلاط هائجة بالغة في تزايدها تزايد النور في جرم القمر , وذكر ابن قيم الجوزية في كتابه "الطب النبوي" نقلاً عن أهل المعرفة في زمانه:" تكره عندهم الحجامة على الشبع فإنها ربما أورثت سدداً وأمراضاً رديئة لاسيما إذا كان الغذاء رديئاً غليظاً ,وقال أيضاً : اختيار الأوقات للحجامة فيما إذا كان على سبيل الاحتياط والتحرز من الأذى وحفظاً للصحة

استخدامات الحجامة الرطبة
يفيد في الحجامة الرطبة التفريغ الهوائي الذي تُحدثه كأس الحجامة في موضع الفصد بجسم المريض في زيادة خروج الدم منه , واستخدمت هذه الطريقة قبل تطور الصناعات الدوائية في علاج بعض أمراض القلب والدورة الدموية أهمها:
أولاً : الصباغ الدمويHemochromatosis : وهو حالة مرضية وراثية المنشأ تتصف بحدوث اضطراب في عملية التمثيل الغذائي لعنصر الحديد في جسم المريض وتراكمه بشكل خاص في الكبد والبنكرياس والجلد فيؤثر على عملها ,ويكون الحديد المترسب في الكبد والبنكرياس والقلب وغدة الكظر والخصيتين والغدة النخامية في صورة مركب الهيمو سيدرين  hemosiderinقد يؤدي إلى حدوث قصور في عملها, ويصبح لون جلد المريض برونزي ,وتفيد في علاج هذا المريض عمليات سحب الدم المتكرر التي تجعل المريض يشعر بأنه أفضل صحياً ,وينتشر حالياً استخدام بعض الأدوية ذات التأثير الخلابي لعنصر الحديد في الدم مثل المركب ديسفيروكسامينDesferrioxamine  الذي يتحد معه مما يخفف حدة هذا المرض.
ثانياً: احمرار الدم : Polycythemia تتميز هذه الحالة المرضية بارتفاع مستوى خضاب الدم عن 18 جم كل 100 سم 3 من الدم وزيادة عدد كريات الدم الحمراء في الدم عن مستواها الطبيعي , ويحدث في الأطفال بأعمار تتراوح بين 2- 24 شهر 3.7 - 5.2 مليون كرية دم حمراء / ملل من الدم , وفي البالغين الذكور 4.3 - 5.9 مليون كرية دم حمراء / ملل من الدم , وفي الإناث 4 - 5.2 مليون كرية دم حمراء / ملل من الدم , وهناك نوعان رئيسيان من هذا المرض يسمى الأول احمرار الدم الأوليprimary polycythemia  ويحدث نتيجة زيادة مزمنة في عدد كريات الدم الحمراء التي تتولد في نخاع العظام وهو ناشئ عن حدوث تغير أساسي في الخلايا المنتجة للهرمون اريثروبيوتين erythropoietin  ويسبب زيادة حجم كريات الدم الحمراء وارتفاع لزوجة الدم ,ويتميز بوجود أعداد غير طبيعية من الصفائح الدموية تؤدي إلى تكوين خثرات دموية صغيرة تزيد فرص تكوين الخثرات الدموية الكبيرة وحدوث الإحتشاء في عضلة القلبMyocardial infarction .
النوع الثاني: احمرار الدم الثانويSecondary polycythemia  وتحدث هذا الحالة المرضية نتيجة أسباب عديدة منها زيادة إفراز هرمون ايرثيروبيوتين عند صعود الجبال الشاهقة وفي أمراض بالرئتين وبعض أمراض القلب وعند الإدمان على التدخين وفي بعض أمراض الكلى وفي سرطان الكبد وعند ظهور أمراض في غدة الكظر وغيرها.
     ويستخدم الأطباء في علاج حالتي احمرار الدم الأولي والثانوي النظير المشع للفوسفور وعقاقير مثل بسكولفانسbusculphans  وهيدوكسي يورياhydroxy urea  , ويفيد فيها سحب الدم المتكرر من جسم المريض عندما يقرره الطبيب.

أوقات استحباب الحجامة
     شاع بين القدماء استحباب إجراء الحجامة في أوقات معينة من الشهر,ودليل ذلك ما قاله صاحب القانون -ابن سينا :لا يؤمر باستعمال الحجامة في أول الشهر لأن الأخلاط لا تكون قد تحركت وهاجت ولا في آخره لأنها تكون قد نقصت بل في وسط الشهر حيث تكون الأخلاط هائجة بالغة في تزايدها تزايد النور في جرم القمر , وذكر ابن قيم الجوزية في كتابه "الطب النبوي" نقلاً عن أهل المعرفة في زمانه :" تكره عندهم الحجامة على الشبع فإنها ربما أورثت سدداً وأمراضاً رديئة لاسيما إذا كان الغذاء رديئاً غليظاً , وقال أيضاً: اختيار الأوقات للحجامة فيما إذا كان على سبيل الاحتياط والتحرز من الأذى وحفظاً للصحة.

مخاطرها الصحية
     أدرك الأطباء القدماء بعض المخاطر الصحية للحجامة الرطبة الدامية التي تهدد حياة المريض, قال موفق الدين البغدادي في كتابه "الطب في الكتاب والسنة "إن الفصد إذا وقع في غير مكانه أو لعدم حاجة إليه أضعف القوة وأخرج الخلط والفالج إلى غير ذلك من المضار ,وتجنب الفصد والحجامة لمن حصل له الهيضة(الكوليرا) والناقه والشيخ الفاني وضعيف الكبد والمعدة ومتغضن الوجه والأقدام والحامل والنفساء والحائض ",ويؤدي استعمال محاجم ملوثة في عملية الحجامة مع الشرط إلى انتقال أمراض عن طريق الدم مثل الالتهاب الكبدي الوبائيHepatitis من نوع ب والزهري والإيدز ,كما  تتحول الجروح في الجلد بفعل مشرط الحجام إلى بؤر إنتانية جرثومية في مرضى السكر ,ويحدث نزيف دموي في الأشخاص الذين يعانون اضطرابات في تخثر الدم كمرضى الناعورhemophilia  وتزداد شدة حالة المصابين بفقر الدم وكبار السن, لكن لا يعترض الأطباء على استعمال الحجامة الجافة بكؤوس الهواء اعتقاداً بخلوها من المضاعفات الصحية.
     وفي الختام نحن في القرن الواحد والعشرين وشاعت مفاهيم وأساليب حديثة مبنية على الدراسات العلمية الدقيقة في علاج أمراض الإنسان ,وانتهى دور استخدام الكثير من الطرق العلاجية القديمة كالحجامة التي استعملها الناس قيل قرون طويلة لقلة ما توفر لديهم من أطباء وأدوية ,وأزفت الساعة  لإجراء دراسات علمية دقيقة على فوائدها المحتملة قي علاج بعض الأمراض لتأكيدها أو نفيها.



   
اعلان 1
اعلان 2

0 التعليقات :

إرسال تعليق

عربي باي